السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
هذه المرة لم أكتب عن قصة حياة لاعب أو سيرة نجم .. بل فضلت الكتابة عن شيء أهم يشغل بالنا و حتى يزعجنا بمعنى آخر
تمر الدوريات الأوروبية الكبرى بأزمة حقيقية باتت تقتل المنافسة و المتعة اللتين اعتدناهما سابقاً . فانحصرت المنافسة في البطولات الكبيرة ( إنجلترا - إسبانيا - إيطاليا ) بين عدة أندية تملك النجوم و رأس المال بينما تقف باقي الأندية عاجزة إلا عن تحقيق مفاجأة ما أو محاولة الهرب من شبح الهبوط ..
و سوف أتناول في موضوعي هذا الكالشيو الإيطالي لكونه واحداً من أقوى الدوريات في العالم . و ما ينطبق عليه من تراجع في حدة المنافسة ينطبق على الدوري الإسباني و بشكل أقل على الدوري الإنجليزي
فإذا قارننا الدوري الإيطالي في السنوات الخمس الأخيرة مع ما كان عليه في تسعينات القرن الماضي نجد أن هناك فرقاً شاسعاً من حيث المنافسة و المتعة و انتشار النجوم و الأسماء اللامعة في أغلب الأندية و ليس في ثلاثة أندية أو أربعة كما هي الحال الآن
و لنتذكر فقط أن نجوماً بحجم و شهرة و تألق باتيستوتا و روي كوستا كانت تلعب في فيورنتينا ... و فييري و نيستا و ندفيد في لاتسيو .. و بوفون و كانافارو و تورام في بارما ..
و إذا عدنا قليلاً إلى الوراء نجد أساطير و نجوم فوق العادة كانت تلعب في أندية مغمورة نسبياً بعيدة عن إغراء أموال الأندية الكبيرة ,, فالأسطورة مارادونا كان يلعب في نابولي .. و المبدع زيكو كان يلعب في أودينيزي .. و الكل كان قادراً على المنافسة و اللقب لا يحسم إلا في اللحظات الأخيرة
و السبب في تراجع حدة المنافسة أولاً و أخيراً هو تمركز القوة الشرائية و المالية في يد ثلاثة أندية كبرى ( ميلان _ الإنتر _ اليوفي ) و قد أثر هذا التمركز في رأس المال على جمالية و قوة الكالشيو في نواحٍ ثلاث رئيسية و هي :
أولاً - شراء المواهب من الأندية الصغيرة
فلا يلبث أن يصعد نجم أو تولد موهبة في نادٍ صغير حتى تخطفه الأندية الكبرى .. فتخسر مواهبها أمام إغراء المال . و تخسر حينها القدرة على المنافسة . و ليس هذا فقط بل إن الأندية الكبيرة قد تجرد الأندية الأخرى من نجومها لتضعها على مقاعد البدلاء !! ما ينعكس سلباً على اللاعب و ناديه و جمالية و متعة الدوري كله .
و الأمثلة على ذلك كثيرة .. فسوازو .. نجم كالياري كان يضيف الجمال و المتعة على كل لقاء يكون كالياري طرفاً فيه .. و كان يرعب كل الخصوم و المنافسين بما فيهم اندية إيطاليا الكبرى .. و بانتقاله إلى الإنتر فقد كثيراً من خطورتهلأنه غالباً ما يكون أسيراً لمقاعدالبدلاء .. فماذا فعلت أموال موراتي ؟؟!!
ببساطة تحول سوازو من نجم كالياري الأول إلى مهاجم احتياطي لبطل إيطاليا .. و سوازو ليس حالة فريدة في الدوري الإيطالي .. فمثله كثيرون كانوا نجوماً في أنديتهم و أصبحوا لاعبين احتياطيين في الأندية الكبيرة .. كالمدافع بونيرا نجم بارما و احتياطي الميلان !! و فابيو غروسو الذي انتقل من باليرمو إلى مقاعد بدلاء الإنتر !! و مهاجم ريجينا رولاندو بيانكي الذي غادر ناديه ريجينا بعد أن كان هدافه ليجلس على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي الإنجليزي !!
ثانياً - ارتفاع أسعار اللاعبين
إن تهافت الأندية الكبيرة على تجريد أندية الوسط والأندية الصغيرة من نجومها الصاعدة مهما كلفها ذلك من اموال . أدى إلى خلق حالة جنونية في ارتفاع أسعار اللاعبين .. و أصبحنا امام حالة لا تتناسب فيها الموهبة مع سعر اللاعب .. و أصبح النادي بحاجة لرصد مبلغ مالي كبير للتعاقد مع لاعب أقل ما يقال عنه انه عادي !!
و يكفي أن أذكر أن صفقة انتقال ألبرتو جيلاردينو من بارما إلى الميلان تعادل مجموع الصفقات التي انتقل بموجبها المثلث الهولندي الشهير ( فان باستن _ رود غوليت _ ريكارد ) إلى الميلان اواخر الثمانينات
و أصبح نادي بحاجة إلى دفع مبلغ عشرين مليون يورو لضم مدافع شاب مثل بارزاغلي مدافع باليرمو .. أو مهاجم صاعد مثل ألكسندر باتو أو ريان بابل !!
أما إذا أردت الحصول على نجم سوبر ستار من طراز كاكا أو رونالدينيو أو كريستيانو رونالدو فما عليك إلى أن ترصد ميزانية النادي كاملة إضافة إلى ثلاثة او أربعة لاعبين من النوع الجيد لإجراء المبادلة و إتمام الصفقة !!
هذا الارتفاع غير المعقول في أسعار اللاعبين جعل أندية الوسط و الأندية الصغيرة في حالة عجز تام عن تجديد صفوفها بأسماء لنقل بأنها معروفة .. !!
و بالتالي فقدت قدرتها على المنافسة و الاستمرار .. و أصبحت فريسة سهلة للأندية الكبيرة خلال مسيرة الكالشيو ..
ثالثاً - استحالة القدرة على المنافسة
إن بعض الأندية في الدوري الإيطالي مثل فيورنتينا و أودينيزي و لاتسيو و باليرمو تحاول أن تخلق مجموعة متجانسة من المواهب التي تولد في النادي و تحاول أن تحميها من إغراء الأموال والشهرة الذي تلوح به الأندية الكبيرة .. و قد تنجح بذلك و تستطيع بهذه المجموعة المتجانسة أن تنافس في بداية مشوار الدوري و لكنها تتراجع رويداً رويداً تحت ضغط الإرهاق و الإصابات و عدم وجود دكة بدلاء قادرة على تعويض الأساسيين .. فإما أن تقتنع بأحد المراكز في وسط الترتيب أو تسعى للحصول على مركز يؤهلها إلى دوري أبطال أوروبا أو حتى كأس الاتحاد الأوروبي ..
و هي تعرف تمام المعرفة استحالة المنافسة على اللقب .. و لكنها تحلم بالمشاركة عساها تحقق مفاجأة ما بالوصول إلى أدوار متقدمة .. أو تسجل انتصاراً تاريخياً على احد عمالقة اوروبا
و هنا نرى ان اللعبة عموماً و الكالشيو خصوصاً يمران بأزمة حقيقية أزمة جعلت نادي الإنتر يحسم تقريباً اللقب منذ بداية الدوري .. و جعلت الباقي يلهثون إما من أجل المشاركة في دوري الأبطال و إما للابتعاد عن شبح الهبوط للدرجة الثانية ..
هذه الأزمة بحاجة إلى وقفة جادة من الاتحادات الرياضية الكبرى في أوروبا .. و سن تشريعات لضبط الانتقالات و أسعار اللاعبين و حماية الأندية الصغيرة من اموال الأندية الكبيرة .. لتعيد بذلك المتعة و قوة المنافسة التي نأمل عودتها للكالشيو الإيطالي ..
أتمنى أن يكون الموضوع أعجبكم و أعتذر عن قلة الصور لأنني لا أعتقد أن الموضوع بحاجة لصور ..
و شكراً لكم على القراءة ..